الحسين عليه السلام رجل الدين والثورة، الشخصية العالمية العابرة للزمان والمكان والبعيدة عن مذهبية الاعتبار؟!

وليد الهودلي

كاتب وأديب فلسطيني

بمناسبة عاشوراء يتناول كثيرون يوم نجاة موسى عليه السلام من فرعون في عملية تجسيد مواجهة المظلوم المستضعف صاحب الحق ورسالة السماء المتمثّل بموسى عليه السلام مع الطاغوت المستكبر المستبدّ المتمثّل بفرعون، ولكل زمان موسى وفرعون، وربّ عزيز كريم ينصر اولياءه على أعدائه.  

وفي ذات الوقت يبتعد كثيرون عن التعرّض للحسين عليه السلام وما يمثّله من روح ثائرة وقفت في وجه الظلم والطغيان حتى آخر قطرة دم، (طبعا خشية الاتهام بالتشيّع) رغم أن الحادثة من حيث صاحبها وكل معطياتها تمسّ كل مسلم بكل ما يحمل من دين وقيم وروح انسانيّة وتتجاوز أيّ بعد مذهبي على الاطلاق.  

الحسين عليه السلام سبط رسول الله روح جميلة وعالية ونهج صادق وعميق في الفهم والتطبيق وطريقة جريئة وشجاعة  في حمل أمانة الدين بكل ابعاده كما هو دون أيّ انتقاص أو اخلال أو انحراف أو قصره على فهم بشري جبان، كان الحسين ثورة على كل من أراد لهذا الدين أن يتشكّل على أيّ مقاس بعيدا عن جوهره وحقيقته العظيمة، بعيدا عن أن يستمرّ في دوره الواسع الشامل وسقفه المرتفع العالي.  

وكأن الاسلام في ذاك الزمان قد وقف على مفترق طريق ، هناك من أراد له أن يسير في ركاب إرادة سياسية بشرية تحدّ من ثوريته وقوة فاعليّته وتحصره في مستويات بشرية تضيّق الخناق عليه، وبين من أراد له أن يبقى بكلّ طاقته ثورة للعالمين وانتصارا للحق على الباطل مهما كان الحق ضعيفا والباطل قويا فدم الاحرار لا محالة ينتصر على سيف الطغاة.  

وهذا هو الدرس الاعظم لهذه الثورة الحسينيّة التي أرسى قواعدها الحسين عليه السلام بمصداقية عالية لانفاذ هدي جدّه عليه أفضل الصلاة وأتم السلام. وهذه التي بقيت تعطي مفعولها في التاريخ الاسلامي من بعده فكلما على وتجبّر الطغيان وقفت الفئة القليلة المستضعفة بهذه الروح الثائرة لتحقق توازن الدم والسيف فينتصر الدم على السيف أبدا. هكذا انتصرت الامة على جبروت التتار والصليبية الحاقدة والاستعمار المعاصر .

ولليوم هكذا نجد غزة تجسّد هذه الثورية العالية بهذه الروح الحسينية العظيمة لتصمد قرابة السنتين أمام شرّ العالم أجمع. ونجد كل من ينتمي للحسين يقف بشكل من الاشكال مع هذه المعركة الخالدة ، وكذلك نجد من يقف على الطرف الاخر من يريد لهذا الدين أن يكون بلا ثورة، دين مسقوف بأنظمة مهترئة تتعامل مع الدين على أنّه قابل للتشكيل على مقاساتهم المهينة القابلة للتطبيع مع ألدّ أعداء الله بروح خائرة مهزومة.  

الحسين عليه السلام بثورته العظيمة وقودا للحرية والثورة والدين الذي يحقّق كرامة الأمة وعدالة السماء.  الدين الذي لا يرضى لأتباعه الذلّة، دين الحرية والثورة ، دين الاباء والقوّة، دين العدالة والتمكين والسيادة وريادة الحضارة الانسانيّة.

الحسين عليه السلام الفكرة والثورة محل إجماع قابلة  على أن تتوحد عليها الأمة.

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023