المحلل العسكري رون بن يشاي
يديعوت أحرونوت
من الأفضل كتابة توقع مناخي من كتابة مقال تحليل يحاول تقدير تصريحات وخطوات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب التالية، فتقدير المناخ يمكن أن يعد علما دقيقا في عصر انعدام اليقين الذين يزرعه ترامب حوله منذ دخل البيت الأبيض، لكن بعد اكثر من مئة يوم من ولاية ترامب الثانية بات ممكنا لنا أن نتميز بضعة مباديء توجه عمله. استنادا الى هذه المباديء يمكن محاولة فهم ما ننتظره في زيارته القريبة الى الشرق الأوسط التي ستبدأ الأسبوع القادم ولن تشمل إسرائيل وربما أيضا نفهم ما الذي سيصرح به بعد اقل من يوم – تصريح حسب ترامب نفسه يفترض أن يكون علامة طريق في سياسة الإدارة الامريكية الحالية الشرق أوسطية بعامة والغزية بخاصة.
واضح تماما في الظروف الحالية بان ترامب ورجال ادارته المقربين منه يتطلعون لان يسجلوا في صالحه إنجازات في مجال السياسة الخارجية والاقتصاد. هذه الحاجة لعرض إنجازات للجمهور الأمريكي تأتي للتغطية على الاضرار الجسيمة التي تلحقها سياسة الجمارك والتعريفات المتذبذبة لترامب بالتجارة الدولية والاقتصاد الأمريكي. مواطنو الولايات المتحدة يبدأون فقط بالاحساس بارتفاع الأسعار والضرر للاقتصاد النابعة من انعدام الاستقرار الذي تزرعه خطوات ترامب.
على كل هذا كفيل بان بان يغطي الإنجاز الذي يتطلع اليه ترامب في زيارته الى السعودية، قطر واتحاد الامارات. فهو يتوقع ببساطة ان يجلب لدى عودته الى الوطن في واشنطن عشرات مليارات الدولارات في توصيات بالتزود بالسلاح الأمريكي وباستثمارات دول الخليج العربية السنية الثرية بالبترودولارات، في الاقتصاد الأمريكي.
لكن الرئيس الأمريكي يعرف جيدا بان السعوديين والقطريين يريدون اكثر بكثير من الولايات المتحدة من مجرد مزيد من دمى حرب حديثه تبيعها لهم واشنطن. حتى لو زودتهم الولايات المتحدة بطائرات اف 35 وذخيرة دقيقة للمدى البعيد، فان السعودية، قطر، اتحاد الامارات والكويت سيواصلون الخوف من الإيرانيين. للدقة، من إمكانية ان يكون لإيران سلاح نووي. وعليه فهام جدا للسعودية ان توفر الولايات المتحدة لها قدرة تنمية واستخدام قوة نووية لاهداف مدنية. الدول السنية وعلى رأسها السعودية باتت تفهم منذ الان بان الولايات المتحدة ستسمح لإيران بالابقاء على برنامج نووي مدني وهم يعرفون على نحو ممتاز، مثل إسرائيل، بان الانتقال من برنامج نووي لأغراض مدنية الى تطوير قدرات سلاح نووي ليس مشكلة معقدة.
وعليه فقد طلب السعوديون من إدارات أمريكية سابقة، بما فيها إدارة ترامب نفسه مساعدتهم في ان يكون لهم برنامج نووي مدني بالضبط مثلما سيكون على ما يبدو لإيران، انطلاقا من الفهم إياه بانه يمكنه بجهد غير كبير ان يتحول، مع الميزانيات التي لدول النفط الى برنامج نووي عسكري.
هذا بالضبط هو السبب الذي جعل الولايات المتحدة لا ترغب في أن توفر لهم هذه القدرات حتى الان، والان على ما يبدو، حسب وكالات الانباء سيعلن ترامب بان الولايات المتحدة مستعدة لان تغير سياستها في هذا السياق وتساعد السعودية على إيجاد برنامج نووي.
التطبيع لن يحصل
معقول الافتراض أن هذا الموضوع سيندرج في تصريح ترامب، لكن السعوديين والقطريين لن يكتفوا بذلك. فدول الخليج السنية ترى أيضا في القصة الغزية متفجرا يمكنه أن يشعل حربا إقليمية وان يثير ضدها الجماهير في الداخل. فهي تريد لترامب ان ينهي لهم الحرب في غزة او على الأقل ان يحقق هدوءا مستقرا لمدى زمني طويل.
هم يريدون استئناف المساعدات الإنسانية لغزة؛ هم يريدون وقف نار مستقر طويل المدى؛ هم يريدون حكما فلسطينيا في القطاع في “اليوم التالي”؛ والسعوديون قالوا أيضا بصراحة انهم يريدون مفاوضات بين إسرائيل والفلسطينيين على إقامة دولة فلسطينية – ليس اتفاقا منتهيا على إقامة دولة فلسطينية في غزة وفي الضفة بل بداية مفاوضات عملية. يشارك في هذا التطلع بالطبع مصر والأردن.
بسبب حقيقة ان رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو يعارض بالقطع حكم السلطة الفلسطينية في غزة والمفاوضات على دولة فلسطينية فيبدو أن موضوع تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية لم يعد على جدول الاعمال.
في إسرائيل، الخوف العظيم هو مما كفيل ترامب بان يعرضه على السعوديين، القطريين واتحاد الامارات. فإسرائيل تخشى جدا برنامجا نوويا سعوديا اذا كانت فيه قدرة سعودية مستقلة لتخصيب اليورانيوم، وكذا من الا يراعي ترامب مصالحها في رزمة المخطوفين، مقابل وقف نار واليوم التالي الذي يعرضه على السعودية.
لهذا الغرض يوجد وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر في واشنطن، وهو يحاول تحقيق امرين: الأول الا يفاجيء ترامب إسرائيل، والثاني الا يدفع ترامب لدول الخليج العربية مقابل استثماراتها في الولايات المتحدة بعملة غزة، بتنازلات إسرائيلية تسمح لحماس بالبقاء بسلاحها وزعمائها في غزة ولا تضمن تحرير كل المخطوفين الاحياء والاموات.
عامل آخر مؤثر جدا على سياسة ترامب هو الصراع الجاري في البيت الأبيض بين كتلتين شديدتي القوة. كتلة “الانعزاليين”، والثانية هي “الصقريين”، المحافظين الجدد.
النصر الذي لم يكن
المعركة ضد الحوثيين كلفت مالا طائلا على دافع الضرائب الامريكية، وترامب لا يحب تبذير المال. بالتأكيد عندما يحذره الانعزاليون في البيت الأبيض بانه سيتورط مثل بوش واوباما في العراق ومثل بايدن في أفغانستان. وعليه فترامب مثل ترامب: اعلن عن النصر وعن انهاء حملة “ Rough Rider“. الحقيقة هي انه عندما بدأت الولايات المتحدة الحملة، فانها فعلن ذلك بتصريحها بان غايتها هي السماح بحرية الملاحة في مضائق بان المندب وكل الدول بينما الاتفاق مع الحوثيين لا يتحدث الا عن سفن أمريكية، وهو الامر الهامشي في نظر ترامب. فهو يريد النصر وبالتالي اعلن عن النصر.
هذا بالضبط ما يرفع مخاوف إسرائيل الى الذروة.
في إسرائيل يتبلور الفهم بان ترامب، مثلما تصرف في القصة الحوثية، سيتصرف في قصة الاتفاق مع ايران. وهو ببساطة سيعلن بان هذا اتفاق افضل بكثير من الاتفاق الذي حققه أوباما في 2015 حتى لو سمح لإيران بمواصلة تخصيب اليورانيوم والبقاء في مكانة دولة حافة نووية. إسرائيل في مثل هذا الوضع لن تتمكن من مهاجمة وتحييد البرنامج النووي الإيراني حتى لو كانت للجيش الإسرائيلي القدرة العسكرية لعلم ذلك.
لكن من الخطأ ان نفهم اعمال ترامب وكأنها تنبع من خصومة شخصية مع نتنياهو. هو ببساطة يفعل ما يراه منطقيا وضروريا في تلك اللحظة من زاوية نظر أمريكية او لان هذا ما همس به آخر شخص في اذنه. يوجد في إسرائيل كثيرون وانا منهم يتوقون منذ الان للرئيس بايدن وادارته. صحيح أنهم قيدوا ايدي إسرائيل في بداية الحرب واخروا ارساليات الذخائر لكن لدى إدارة بايدن كنت تعرف بالضبط اين تقف، ماذا يمكنك وماذا لا يمكنك عمله. اما لدى ترامب فكل الخيرات مفتوحة بما فيها الأسوأ.