عن أي حوار وطني نتحدث؟! ...

 أكد المجلس المركزي في دورته الأخيرة، على أهمية تنظيم حوار وطني، وهو الأمر الذي دعت له اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير عشية إنعقاد الدورة، ويجادل رئيس المجلس الوطني في مقاطعته لماجدة المصري وهي تلقي كلمة الجبهة الديمقراطية، أن وفداً برئاسته أجرى حواراً مع الجبهة عشية إنعقاد الدورة، غير أن المعلومات الدقيقة تؤكد أن الوفد المذكور، إلتقى قيادة الجبهة الديمقراطية في رام الله ليطرح عليها سؤالاً واحداً: هل ستحضرون دورة المركزي؟!

وبالتالي إذا كان هذا هو الحوار الذي تعتقد المؤسسات الوطنية أنه يتوجب إستئنافه، فإننا أمام دعوة، تؤكد مقدماتها أنها لن تصل إلى نتيجة ذات مغزى، فإذا كانت اللجنة التنفيذية هي التي سوف تدير الحوار مع القوى السياسية، فسوف نكون أمام مسرحية فاشلة، فالتنفيذية ليست حزباً، وليست توافقاً وطنياً، خاصة في قضايا التكتيك اليومي، والتوجه الإستراتيجي، وأعضاؤها يمثلون فصائل ما بينها تباينات وخلافات في وجهات النظر، فضلاً عن أن إجتماعات التنفيذية على ندرتها، هي جولة حوار يدلي كل عضو من أعضائها وجهة نظر الجهة التي يمثلها، فلماذا إذن التكرار والإجترار، والمثل يقول: غبي من يعيد المحاولة بالطريقة ذاتها، والأدوات ذاتها، للوصول إلى نتيجة مغايرة.

وبالتالي؛ هذا يملي حرصاً على مهام اللجنة التنفيذية، ومقام أعضائها دون إستثناء، البحث عن وسيلة أخرى للحوار، تضمن عبرها الوصول إلى نتائج ذات مغزى من شأنها أن تنقل الحالة الوطنية إلى مرحلة جديدة تقرب الشعب الفلسطيني من لحظة الفوز في إنهاء الاحتلال في الضفة، ووقف الحرب الهمجية في قطاع غزة.

ليس هذا فحسب، بل علينا أن نطرح السؤال التالي: لقد خاضت الفصائل جولات عدة من الحوارات، أنتجت خطوات ذات أهمية فائقة، ومع ذلك بقيت هذه الخطوات معطلة.

• ففي 19/5/2020؛ أفضى النقاش في «القيادة الفلسطينية» إلى قرار التحلل من إلتزامات م. ت. ف. أمام «إتفاق أوسلو»، وخاصة الإلتزامات الأمنية نفسها.

• وفي 3/9/2020؛ إنعقد حوار وطني على أعلى المستويات، ترأسه رئيس اللجنة التنفيذية، وحضرته الفصائل كافة دون إستثناء، بمن في ذلك حماس والجهاد، وفصائل ما زالت ممتنعة عن دخول م. ت. ف. كالجبهة الشعبية، والجبهة الشعبية – القيادة العامة.

• تلا ذلك حوارات على جولتين في القاهرة، أنتجت قراراً بتنظيم الإنتخابات العامة، الرئاسة، والمجلسين التشريعي والوطني، فماذا كانت النتائج:

• في 17/11/2020؛ أعلن حسين الشيخ عودة م. ت. ف. والسلطة إلى الإلتزام بإستحقاقات «إتفاق أوسلو»، وفسّر ذلك على أنه إنتصار وطني فلسطيني، أي من جانب آخر هزيمة لحكومة نتنياهو؟!

• كذلك أصدر الرئيس أبو مازن قراراً بإلغاء الانتخابات، بدعوى أن إسرائيل ترفض إجراءها في القدس المحتلة، رغم أن عدداً من الدول الأوروبية عرضت إقامة صناديق الإقتراع في قنصليتها أي بإختصار:

توافقت الفصائل على التحلل من «إتفاق أوسلو»، لكن صاحب القرار الرسمي إنقلب عليه.

• كذلك توافقت الفصائل مجتمعة بمن فيها فتح نفسها، على تنظيم الانتخابات، على طريق إصلاح النظام السياسي، لكن صاحب القرار الرسمي إنقلب على ذلك، وألغى الانتخابات في ظل خيبة أمل واسعة لدى الفصائل، وشرائح واسعة من الفلسطينيين، بدأت بعد طول صبر وأناه، تشكك في جدوى الحوارات الوطنية وجدول تنظيمها، وبدأت ترى فيها مجرد سياحة سياسية، تتجمع فيها قادة الفصائل في العواصم والمنتجعات، ويلعبون لعبة التوافق ليعودوا بعد ذلك إلى الإختلاف على ما إتفقوا عليه، وإن كانت القيادة الرسمية هي المتهمة الأولى بتعطيل قرارات ومخرجات جولات الحوار، في ظل صمت من عدد واسع من القوى التي وقعت على التوافقات.

ولا شك في أن تجربة «حوار بكين»، هي الأخرى، تشكل نموذجاً فاقعاً يؤكد صحة الخلاصة التي أوردناها آنفاً.

فقد إلتقت الفصائل كلها دون إستثناء، وتوافقت على سلسلة من المخرجات التي باتت معروفة للقاصي والداني، أهمها تعطيل الإطار القيادي الوطني الموحد والمؤقت، والذي يضم الأمناء العامين وأعضاء اللجنة التنفيذية ورئيس المجلس الوطني، للتوافق على خطوات وتوجهات المرحلة القادمة.

• التوافق على تشكيل حكومة وفاق وطني، من الفعاليات والكفاءات، نتولى إدارة الشأن العام في الضفة والقطاع معاً، لإسقاط كل البدائل الإستراتيجية والأميركية، وصون وحدة الشعب الفلسطيني ووحدته سياسياً وكيانياً.

• إنهاء الإنقسام وإنتماء كل الفصائل إلى م. ت. ف. الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني، ببرنامجها الوطني وتقرير المصير، والدولة المستقلة، وحق العودة للاجئين.

• قرارات الأمم المتحدة ذا  ت الصلة هي المرجعية القانونية لحل القضية الفلسطينية.

• التأكيد على الحق المشروع للشعب الفلسطيني في المقاومة الشاملة للإحتلال بكل الوسائل الممكنة.

ماذا كانت نتائج هذا كله، والذي شكل، بإعتراف الجميع، خطوات إستراتيجية على طريق الظفر بالحقوق الوطنية؟

1) عطل صاحب القرار الرسمي قراري تفعيل الإطار القيادي، وتشكيل حكومة الوفاق الوطني، والتي حلَّ محلها «حكومة تكنوقراط» من بين أعضائها 5 وزراء ينتمون إلى حركة فتح، والباقون إختارتهم القيادة الفلسطينية منفردة، ويومها قيل تعليقاً على أن هذه الحكومة هي حكومة رئيس دولة فلسطين.

2) إنعقد المجلس المركزي بصورة إعتباطية غير معد لها، كما إنقلب في نتائجها على مبدأ الإنتماء إلى م. ت. ف، حين إعتبر الإلتزام بـ«إتفاق أوسلو» شرطاً من شروط الإنتماء، وإنقلبت على «مبدأ المقاومة الشاملة» بكل أساليبها لصالح «المقاومة السلمية»، والفارق بطبيعة الحال معروف للقاصي والداني، فضلاً عن ذلك شن هجوماً على المقاومة، حين دعاها للإستسلام وتسليم سلاحها، وتسليم الأسرى الإسرائيليين دون مقابل.

إعتبر سلاح المقاومة سلاحاً خارجاً عن القانون، بذريعة أن السلاح الوحيد المشرع، هو سلاح دولة فلسطين، التي لم تولد على الأرض بعد!

من حق أي مراقب هنا أن يسأل:

كيف توافقت الفصائل كلها دون إستثناء على «مخرجات بكين» ثم إنقلبت على هذه المخرجات الفصائل التي شاركت في دورة المجلس حتى نهايتها، وصوتت كلها بالإجماع على نتائج الدورة في تناقض صارخ بين ما دار في بكين، وما دار في قاعة الشهيد أحمد الشقيري في رام الله؟!  

وبالتالي؛ مَنْ يضمن لنا أن الحوار المقترح علينا أنه سيكون تجربة جديدة، تجري على أعلى المستويات، بين قيادات الفصائل مباشرة، وليس عبر اللجنة التنفيذية (للأسباب المذكورة أدناه)، ثم يلتزم الجميع بما تم التوافق عليه، ويجري ترجمة هذه المخرجات سياسات وخطوات على مستوى اللجنة التنفيذية والسلطة الفلسطينية، ورئاسة المجلس الوطني؟!

أم أننا سوف ندور في الدوامة نفسها، كحصان الطاحون متغافلين عن التسرّع في ولادة سيناريوهات أميركية – إسرائيلية، بل وعربية أحياناً، هدفها تقويض المشروع الوطني؟ ■

جميع الحقوق محفوظة لـمركز حضارات للدراسات السياسية والإستراتيجية © 2023